الخميس، 8 مارس 2012

سيادة وطن


نادر بكار

السبت، 3 مارس 2012 - 21:33



صحيح ٌ أن مشهد خروج المتهمين الأمريكيين من مطار القاهرة مثل صورة ً مزرية لضياع سيادة الوطن صدمت مشاعر كل المصريين، لكنى أرى أن تحليل المشهد يتجاوز بكثير الحديث عن جرحٍ غائرٍ للكرامة الوطنية أو طعنة نافذة لأحلام شعبٍ ضاق ذرعاً بالذل والهوان ..يتجاوز ذلك إلى الحديث عن أزمةٍ حقيقية نعيشها.. أزمة فى صناعة القرار السياسى.

وأقول «قرارٌ سياسى» لأن توقيف أى أجنبى بغض النظر عن جنسيته للتحقيق معه، إذا ما خالف قوانين البلاد بشكلٍ واضحٍ صريح، لابد أن يؤثر على العلاقة مع بلاده، ويتباين التأثير تبعاً لحجم الدولة، فكيف إذا ما كانت الدولة بحجم الولايات المتحدة؟ فالمفترض أن يكون صانع القرار – وهو هنا المجلس العسكرى – على دراية بتبعات هذا القرار، إذ أنه بلا شك يتفهم موازين القوى الدولية ويتفهم أن تحديه السافر لواشنطن يلزم منه أن يكون مستعداً للمواجهة، لاسيما فى هذا التوقيت الحرج الذى يجاهد فيه المجلس لحفظ ماء وجهه أمام شعبه، فلماذا أقدم من البداية على اختبار القوة؟

كان بوسعه أن ينزل إلى ساحة البطولة من أيسر طريق، لو أصدر قراراً بالقبض على المتهمين ومن ثم ترحيلهم بوصفهم أشخاصاً «غير مرغوبٍ فيهم»، إذن لأنقضت المواجهة من الجولة الأولى ولحاز المجلس العسكرى قصب السبق أمام شعبه والعالم أجمع ولأثبت سيادةً وطنيةً غير منقوصة، ولفتَّ ذلك فى عضد الإدارة الأمريكية ولسببَّ لها إحراجاً بالغاً، لكنه سينتهى بها إلى الرد بتصريحات نارية نعلم أنها لن تحدث فارق كبير، طالما قد استعادت رجالها ولو بشكلٍ مهين، ولكفى الله المؤمنين القتال من البداية.

أما وقد حسمت أمرك واتخذت قرارك «السياسى» بنقل المواجهة إلى ساحة القضاء على أرضك؛ فلا بد أنك قد درست ردود الأفعال وقدرت لها قدرها وحللت المعطيات جيداً قبل ما تطرح قرارك للتنفيذ، وتعلم أن احتمال الإدانة قائمٌ بلا شك، فأنت مستعدٌ بالتالى لتطبيق عقوبة ما على الأمريكيين، وإلا فإن أحكام القضاء لا يمكن أن تقبل مساومة أو مفاوضة، فلتتحمل تبعات قرارك إلى النهاية بشجاعة إذن وسيقف الشعب المصرى كله من خلفك كما أوضحنا من قبل.. لكنك فجأة وبلا مقدمات قررت الانسحاب من المواجهة، فأضحينا كالمنبَّت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فأى ُ قرارٍ هذا؟

قرار أراق ماء وجه شعبٍ بأسره، وهز ثقته بشدة فى السلطة القضائية بعدما رأى إلى أى حدٍ تُكبَّل إرادتها، ولعل السؤال الأخطر الذى يبرز هنا، هو إذا كنا قد اشتممنا رائحة تحريكٍ سياسى لملف قضيةٍ كهذه، فكيف تطمئن قلوبنا لسير المحاكمات مع رموز نظامٍ سابق عُينت الهيئات القضائية تحت سمعه وبصره؟

أما واشنطون فمصرةٌ على ضرب الذكر صفحاً عن دروس التاريخ، تتحدث عن القانون فى كل سهلٍ ووادى، فإذا ما طُبق القانون بساحتها أقامت الدنيا ولم تقعدها، ولعمر الله لهذا أحد مظاهر الغطرسة التى أهلكت أمماً قبلها كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.


ليست هناك تعليقات:

  قيراط حظ ولا فدان شطارة ... مقوله سمعناها كلنا و حفظناها عن اجدادنا ... ب س لما بدأنا نتعلم و نشوف العلم الحديث و الغرب و تكنولوجيته بدأنا...